الدرس الثالث : أساسيّات نظرية النحو التوليدي
المراجع :
تمهيد
لا يمكن أن نفهم أيّ نظريّة إذا
عزلناها عن إطارها التاريخي ومشاغل عصرها ولم نربطها بالخلفيات الفكرية والعلمية
التي انطلقت منها. ولذلك يحسن بنا أن ننزّل نظريّة النحو التوليديّ ضمن سياقها
الفكري والعلميّ لكي نتمكّن من فهم أهمّ مبادئها ومفاهيمها ومصطلحاتها. من أجل ذلك
سنسعى في درسنا إلى الإجابة عن الأسئلة التالية:
* ما هي المؤثرات الفكريّة والعلميّة
التي تحكّمت في النظريّة التوليديّة؟
* ما هي المفاهيم والفرضيّات الأساسيّة
التي انبنت عليها هذه النظريّة؟
1- الأسس الفكريّة والعلميّة للنظريّة التوليديّة:
قامت نظرية شومسكي على أسس فكرية
مستمدة من التقاليد الفلسفية والنحويّة الأوروبية. يعني ذلك أنّ شومسكي لم ينطلق
من عدم فرغم جدّة أفكاره فإنّه عاد إلى أفكار فلسفية ولسانية سابقة له وأحسن
استثمارها وإعادة النظر فيها والتشبّع بها ليصل إلى نظريته الجديدة التي أحدثت
ثورة لسانية غيّرت كثيرا في وجهة اللسانيّات. وتُعدّ تلك الأسس الفكريّة من العناصر
التي ساهمت في انتشار النحو التوليديّ خارج الولايات المتّحدة وفي اهتمام الأوروبيين
بهذه النظريّة. وقد أعلن شومسكي في الكثير من السياقات إلى أهميّة تلك الأسس في
توجيه نظريّته وانطلاقه منها في تحديد الفرضيّات الأساسيّة لنظريته.
أ- الأسس الفكريّة التي اعتمد عليها شومسكي في بناء
نظريّته:
* فطريّة اللغة (Innéisme) ومثاليّة الفكر
وكونيّة العقل في فلسفة العقل عند ديكارت :
نشر شومسكي سنة 1966 كتاب "اللسانيّات الديكارتيّة". ويحمل العنوان
دلالة واضحة على تأثّر لسانيّات شومسكي بفلسفة ديكارت(ت1650م)، خاصّة أنّ شومسكي
يستند إلى ثقافة فلسفيّة في تكوينه العلميّ.
وقد أشار في كتابه إلى أنّ ديكارت لم يكن بشكل مباشر جزءا من تاريخ علم اللسانيّات لكنّه مساهم غير
مباشر في تطوّرها من خلال استلهام النحو التوليدي للفكر الديكارتي.
يشير ديكارت في هذا الخصوص إلى وجود بنيات لغويّة أوّليّة مجرّدة كامنة في
العقل توجد فيه بصفة فطريّة ولا يكتسبها لاحقا، ولهذا السبب ليست ميزة الإنسان فقط
في امتلاكه للعقل بل كذلك في امتلاكه لأداة فطريّة تولد معه هي اللغة. ولذلك بقدر
ما يتميّز الإنسان بالعقل يتميّز كذلك بالنطق فهو كائن عاقل وناطق فالإنسان كائن
يتميّز بالعقل والتفكير المجرّد واللغة هي أبرز ميزة تنكشف بها هذه الميزة. وبما
أنّ ديكارت يرى أنّ العقل أعدل الأشياء قسمة بين الناس فلا شكّ أنّه تلك البنيات
اللغوية الأوّليّة لها طابع كونيّ بين سائر البشر.
إنّ عودة الاهتمام بالعقل في اللسانيّات باعتباره مصدر اللغة وباعتباره أداة
لفهم كونيّة الظاهرة اللغويّة يعدّ أحد أهمّ رهانات النحو التوليدي من خلال مسعى الوصول
إلى تقديم تصوّر كونيّ للنحو وتفسير الآليّات الذهنيّة التي تسيّر طريقة اشتغال
النحو في الذهن/العقل/ الدماغ. ومن الملاحظ أنّ شومسكي الذي اعتبر اللسانيات
"ديكارتيّة" ناهض النزعة السلوكية التجريبيّة في علم النفس التي استند
إليها التوزيعيّون قبله واعترض على تركيز التوزييين على وصف الأقوال المنجزة
ليؤسّس لمقاربة ذهنيّة تعتبر العقل مركز اهتمام البحث اللغويّ. وهذا التحوّل يشبه
كثيرا ما ستند إليه قبله ديكارت من اهتمام بالعقل بدل التجربة حيث أعاد للعقل
مركزيته بعد مرحلة من الانتصار للمنهج التجريبيّ.
ليس خافيا على الدارسين أن شومسكي ذي التكوين الرياضي اعتمد في منهجه العلمي
على أسلوب رياضي يقوم على بناء الفرضيّات والمسلّمات والاستدلال على نجاعتها
التفسيريّة، كما أنه اتخذ من الرموز أداة لوصف قواعد اللغة الكامنة في الذهن. تمثّل
الرياضيّات عند ديكارت الصيغة المثاليّة للفكر وقد قادت هذه النزعة العقليّة
شومسكي إلى الاعتماد على منهج رياضيّ في صياغة نظريّته، فإذا كان العقل مجرّدا
ويستطيع الوصول إلى أكثر المعارف تجريدا دون حاجة للتجربة الحسّيّة فإنّ
الرياضيّات أدقّ تلك العلوم تجريدا ومثاليّة وأقدرها على صياغة الفرضيّات وتقديم
تفسيرات دقيقة في شكل قواعد مجرّدة.
* النحو العقلي عند نحاة بوروايال:
ليس بعيدا عن زمن ديكارت قام كل من كلود لانسلو
وأنطوان أرنولد في فرنسا (توفيا سنة 1694م) بتأليف كتاب يستلهم مقولات
ديكارت وسماه بـ "النحو العام
والعقلي" (1660) والذي يعرف بنحو بور روايال، وقد عاد إليه شومسكي واعتبر
النحو التوليدي امتدادا لذلك المشروع الفلسفي- اللغوي. فقد رأى نحاة بوررويال أنّ
الذهن توجد فيه مقولات كونيّة مشتركة بين سائر البشر وأن اللغة مرتبطة بتلك
المقولات ولذلك من الممكن أن نوجد قواعد عامّة للنحو مشتركة بين سائر البشر مثل
الفاعلية والزمان والمكان والكيفيّة... فهناك قواسم مشتركة بين سائر الألسنة تدعم
فكرة كونيّة اللغة. وإذا كانت اللغة عندهم تستند إلى مقولات عقلية فإنّ هناك
تطابقا تامّا بين منطق العقل ومنطق اللغة. هذه الفكرة كانت مصدر إلهام لشومسكي
الذي سعى إلى صياغة قواعد كونيّة لجميع الألسنة تمثّل "النحو الكونيّ".
ولهذا السبب صرّح شومسكي بوضوح أن النحو التوليدي هو بمثابة استئناف لمشروع جماعة
بوررويال ولكن بأدوات أكثر صرامة علميّة. وكثير من مفاهيم شومسكي يمكن تأصيل
جذورها في تربة النحو العقلي عند بورويال في القرن السابع عشر و منها مفاهيم البنية
العميقة والبنية السطحيّة وكونيّة القواعد.
* فكرة إبداعيّة اللغة عند همبولدت (ت 1835م):
همبولدت لساني وفيلسوف وأنتربولوجي ألماني درس الكثير من اللغات وانتهى إلى
الكثير من الأفكار التي وظفها شومسكي واستفاد منها في نظريّته. ومن أهمّ أفكاره أن كل لسان يعبّر طريقة
متكلميه في النظر إلى العالم ولكن ذلك لا يحجب في رأيه وجودها في العقل كجهاز فطري
طبيعيّ ويظهر ذلك من خلال استماع كل فرد في لسانه الأمّ إلى جملة من الأقوال
المحدودة ثم وصوله إلى مرحلة القدرة على إبداع أقوال جديدة، فاللغة تتميز بهذه
القدرة الإبداعيّة على ابتكار أقوال جديدة لم يسبق للمتكلم أن سمعها من قبل.
ومن الملاحظ أنّ شومسكي بنى نظريّته على هذه الخاصّية الغبداعيّة فقد لاحظ أنّ
المتكلّم يستمع إلى عدد محدود من الأقوال الخارجيّة (اللغة الخارجيّة) ثمّ يصبح
قادرا على إبداع أقوال جديدة لا نهائية بسبب ما يمتلكه من قدرة لغوية في عقله (لغة
داخليّة) ولذلك عدّت أفكار همبولدت ملهمة لشومسكي.
ب-الأسس العلميّة :
لا يمكن لأيّ نظريّة أن تكون مسقطة في عصرها فلا ستند إلى أسس علميّة متينة
تضمن لها حداثتها وتجذّرها في عصرها وإجابتها عن الأسئلة والإشكالات التي تعجز
النظريات السابقة لها عن الإجابة عنها. ومن بين أبرز مظاهر تجذّر النظريّة
اللسانيّة في عصرها استفادتها من منجزات العلوم المجاورة لها وما تشهده من تحوّلات
خاصّة على صعيد المنهج والمفاهيم . ويمكن أن نلاحظ في نظريّة شومسكي روافد رياضيّة
ولسانيّة ونفسيّة ومنطقيّة وحاسوبيّة وبيولوجيّة متنوّعة، نوجزها في النار التالية
:
- نقد البنيوية التوزيعيّة:
الأساس الأوّل الذي قامت عليه نظريّة شومسكي التوليديّة هو نقد النظريّات
اللسانية السائدة قبله. لقد اعتبر شومسكي أن عيب النظريات البنيوية الأروربية
قيامها على وصف يراعي فقط نظام اللغة باعتبار ها مؤسسة اجتماعية غايتها
التواصل في حين تمثل اللغة ظاهرة نفسية ذهنية
تتعلق بالقدرات الطبيعية للمتكلّم الفرد. كما أنّ البنيوية التوزيعيّة الأمريكيّة
أغرقت في الاهتمام بالجانب التجريبي الإنجازيّ في وصف الأقوال وهي تقدّم لنا
بالتأكيد وصفا دقيقا وصارما لمستويات تحليل المكونات المباشرة للقول المنجز في شكل
صناديق ومركبات ولكنها في المقابل لا تفسّر لنا كيف نشأت تلك الأقوال في الذهن.
فعلى سبيل المثال يمكن أن تقدم لنا التوزيعية أوصافا مختلفة للأقوال التالية:
/ أكل الولد التفاحة/ / التفاحة أُكلت من قبل الولد/
/التفاحةَ أكلها الولد/ /لم يأكل
التفاحةَ الولدُ/
لكن التوزيعيّة تعجز عن تفسير ارتباط كل هذه الجمل في الذهن بجملة واحدة تشكل
نواة نحويّة لسائر تلك الأقوال. وهو ما يطمح إلى تحقيقه النحو التوليديّ عبر ردّ
الجمل المتشابهة نحويّا إلى بنية نحوية عميقة واحدة.
- المنهج الافتراضي في الرياضيّات:
عادة تبنى النظريّات العلميّة على منهج علميّ واضح وصارم. واللسانيات علم لا تنقصه الصرامة وهو لا يصنّف عند
شومسكي ضمن العلوم الإنسانية بل ضمن العلوم الطبيعية التي تعتمد على منهج علمي دقيق. وفي سائر العلوم هناك منهجان علميّان رئيسيّان؛ الأوّل المنهج التجريبيّ الذي
يؤمن بأنّ ملاحظة الظواهر تكون بواسطة الحواسّ وهي الخطوة الأولى ثم تليها مرحلة إخضاع
المعطيات إلى التجربة للوصول في الخطوة الأخيرة وهي استقراء القوانين والخروج
بنظريات علميّة ذات قواعد صارمة. وهذا المنهج يمكن أن نلاحظه في اللسانيات
البنيوية التوزيعية التي كانت سائدة قبل شومسكي. أمّا المنهج الثاني فهو قائم على الافتراض لأنه ينطلق من بناء فرضيات
تكون في شكل مسلمات لا تقبل التكذيب ثم يقوم العالم ببناء استدلال على كيفية
تفسيرها للظاهرة المدروسة بواسطة قواعد دقيقة وتقاس النظرية بقدرتها على تقديم
تفسير دقيق للظواهر. ولذلك تقيّم النظريّة بقدرتها التفسيريّة. هذا المنهج
الافتراضي تعتمده الرياضيات والعلوم الصورية والعلوم الطبيعيّة مثل البيولوجيا
والفيزياء والكيمياء وقد غزا هذا المنهج سائر العلوم (ترييض العلوم) بسبب ما يحقّقه
من قدرة على التفسير.
بما أنّ شومسكي له اطلاع جيّد على مناهج الرياضيّات ويريد من نظريّته أن تكون
تفسيريّة لا وصفيّة فلا شكّ أنّه وجد ف استخدام هذا المنهج الرياضي سبيلا لتحقيق
أهداف نظريّته . ونلاحظ انعكاس ذلك في بناء نظريّة النحو التوليديّ التي تنطلق من
فرضيات وقواعد تفسيرية لتفسّر لنا كيف تتولد الجمل النحويّة في الذهن قبل النطق
بها. كما أن استدم رموزا تذكّرنا بلغة الرياضيّات القائمة على المعادلات الرمزيّة
المجرّدة.
- الاكتساب اللغوي عند الطفل:
إذا كان التوزيعيّون متأثرين بالمنهج
السلوكي ذي الأسس التجريبيّة في علم النفس فإنّ تأثّر تشومسكي كان بنظريّة
الاكتساب في علم النفس. فقد استند شومسكي إلى تصوّر فطريّ لاكتساب اللغة معتبرا
أنّ الطفل يولد مزوّدا بجهاز طبيعيّ لاكتساب اللغة وهو يستمع للأقوال في السنوات
الأولى من عمره ليصبح ذلك الجهاز ا ذا
خاصّية إبداعيّة، حين يتحول الطفل من مجرد مستمع إلى منتج للأقوال. وقد تجادل
شومسكي مع عالم النفس بياجيه الذي رأى خلاف ذلك إذ اعتبر القدرات اللغوية في فترة
الاكتساب عند الطفل في منزلة بين منزلتين: لا هي بالفطرية تماما ولا هي بالمكتسبة
تماما بل هي بين ذلك.
يظهر ذلك قيام مفاهيم مثل الحدس واللغة الداخلية
واللغة الخارجية والقدرة عند شومسكي على أسس نفسية فالطفل في صغره يستمع إلى حدد
محدود من الأقوال (لغة خارجية) وسرعان ما يكتسب قدرة ذهنيّة غير محدودة على إنتاج
جمل لم يسبق أن سمعها. فعمليّة الاكتساب ترتبط بوجود (لغة داخليّة) في الذهن تمثّل
آلة لتوليد الأقوال وهي التي يسميها شومسكي (القدرة).
- الصياغة الصورية للقواعد المنطقيّة:
لم يكن شومسكي يجهل ما آلت إلي آخر تطوّرات علم المنطق وقد استوعب في نظريته
مؤرات منطية مختلفة ويمكن أن نحصي من بينا لى الأل مظهرين اثنين: أمّا المظهر
الأوّل فيتعلّق بالطابع الصوري لعلم المنطق فهو علم قائم على صياغات صورية مجرّد
تنحو إلى التجريد وهو الأمر الذي طمح شومسكي إلى تحقيقه في نظريته اللسانية فلا
غرابة أن نجد شومسكي يستدم رموزا منطقية تذكّرنا بالصيغ المنطقية المجرّدة. فمثلا
يعبّر المنطقيون عن مبدأ القياس الأرسطي بالشكل التالي:
أ←ب / ب← ج
/ أ←ب ويقع تمثيلها لغويا بـ (سقراط إنسان، كل إنسان
فان، إذن سقراط فان) . أمّا المظهر الثاني فيتعلق باعتماد شمسكي على مكونّ في
نظريته يسمه بالمكوّن المنطقيّ وذلك يعني أنه يعتبر دلالة الجملة في النحو تشبه
دلالة القضيّة المنطقيّة (proposition) فكل جملة تمثّل وحدة دلالية تمثّل عند المناطقة قضية
فعلي سبيل المثال تقرأ قاعدة القياس السابقة في المنطق هكذا: القضية (أ) تساوي
القضية (ب) والقضية (ب) تساوي القضية (ج) إذن القضية (أ) تساوي القضية (ج). إن النحو التوليدي يعتمد على تمثيل صوري
مجرّد للجملة باعتبارها "قضيّة" مستمد من المنطق لأنه يعتمد على لغة
رمزيّة شبيهة بلغة المنطق.
- النحو موضوع للعلوم الطبيعية:
يعتبر شومسكي النحو جزءا من الدماغ وهو بذلك جهاز طبيعي ينبغي أن يدرس في
العلوم الطبيعيّة. وبذلك يعطي شومسكي للنظرية اللسانية أساسا بيولوجيّا طبيعيّا.
ولهذا القول استتباعات منهجية فشومسكي لا يجد حرجا في استخدام المنهج الرياضي
القائم على الافتراض كما تفعل العلوم الطبيعية في عصره كما أنّه يعتبر اللسانيات
بذلك ذات أسس طبيعيّة. وهذا الرأي كان واحدا من بين الآراء التي ساهمت في نشأة
وجهة لسانية تعرف اليوم باللسانيات البيولوجيّة.
- الحاسوبيّة ونمط اشتغال الحاسوب:
شهد شومسكي في صباه عصر اختراع الحاسوب بين 1943و1944 وكانت وفاة صاحب أكبر
مساهمة في تأسيس الجيل الحالي من الحاسوب جون فون نيومان سنة 1957 وهي نفس السنة
التي نشر فيها كتابه الأوّل البنى النحوية المؤسس لنظريته. وتتالى بعد ذلك تطوّر الذكاء الصناعيّ (1953 أول
لغة برمجة/ 1964 أول حاسوب قابل للاستخدام من عامة الناس) فلم تكن خصائص نظريّته في النحو التوليدي سنة 1957
وخاصة بعد 1965 بمعزل عن التأثّر بهذه التحولات التكنولوجية الكبرى خاصّة أنه يدرس
في معهد ماشاسوتس للتكنلوجيا وعلى اطلاع دقيق بكل التحولات العلمية الجديدة منذ
منتصف القرن العشرين.
رغم أن فكرة الحاسوب تعود إلى نهاية القرن التاسع عشر إلا أن بدايات اختراعه
فعليا تعود إلى مساهمة أساسية لنيومن التي
اعطى للحاسوب أهمّ خصائصه الحالية: وهي
جهاز رئيسيّ لمعالجة المعلومات من خلال قراءة سلاسل المعادلات الرمزية
المترابطة بقواعد منطقية مع وجود ذاكرة ومدخلات ومخرجات، هذا التصميم استند إليه
شومسكي في تصميم النحو التوليديّ ولذلك
كثيرا ما ينسب إلى خطّ شومسكي في التفكير اللساني عبارة "الاستعارة
الحاسوبية" التي تعني تأثره في تصميم نظريته بطريقة اشتغال الحاسوب.
2- مكوّنات نظرية النحو التوليديّ :
يعتمد شومسكي على منهج رياضيّ في بناء نظريّته، حيث ينطلق من فرضيّات أوّليّة
ليستدلّ على وجود قواعد شكليّة صارمة ومبادئ شبه رياضيّة كبرى تفسّر طريقة توليد
الجمل الصحيحة نحويّا في الذهن. هذا التوليد يفسّر طريقة اشتغال النحو التوليديّ
باعتباره جهازا بيولوجيّا موجودا في الدماغ. هذه الفرضيّات والمبادئ لم يقدّمها
شومسكي سنة 1957 دفعة واحدة بل تدرّج في تقديمها في مختلف المناويل إلى حدود منوال
العمل والربط.
أ- الفرضيّات الرئيسيّة المحدّدة لتصميم النظريّة:
* فرضيّة التمييز بين القدرة والإنجاز:
هذه الثنائيّة أساسيّة في تفكير شومسكي وهو يعتبر نظريّته تقع في
مستوى القدرة ويعتبر جهود من سبقه من التوزيعيّين تقع في مستوى الإنجاز. أمّا القدرة competence فهي الملكة اللغويّة الموجودة في
ذهن الفرد وهي بيولوجيّا عضو فطريّ في الدماغ يملكه المتكلّم مثلما يمتلك عضوا
خاصّا بالإبصار أو السمع أو الشمّ. و القدرة تمثّل الملَكَة أو الطاقة الذهنيّة
التي يستطيع من خلالها المتكلّم أن ينتج ما يشاء من الجمل غير محدودة العدد فهي
تمثّل الطاقة الإبداعيّة للمتكلّم بما أنّه قادر على إبداع دمل جديدة لم يسبق أن
استمع إليها أو نطق بها من قبل. أمّا الإنجاز perfermance فهو ما ينتجه المتكلّم فعليّا من أقوال
حقيقيّة عندما يتكلّم. وقد دأب التوزيعيّون على الاهتمام بالأقوال المنجزة ووصفها
عبر طرق التحليل إلى المكوّنات المباشرة بالصندقة والأقواس وغيرها من وسائل الوصف
والتحليل. ويشير شومسكي إلى أنّ هذه الثنائيّة تشبه ثنائيّة دي سوسير لكنّها
مختلفة عنها خاصّة في ارتباط القدرة بالفرد في مابل ارتباط اللغة مؤسّسةً
اجتماعيّةً بالمجموعة وتعاقدها عليها لغاية التواصل. نظريّة شومسكي إذن نظريّة في
القدرة لا في الإنجاز كما و الحال عند التوزيعيّن.
* فرضيّة التمييز بين اللغة الداخليّة واللغة الخارجيّة:
اللغة الداخليّة (internal language) هي ما يقع في
ذهن كلّ إنسان من معرفة باللغة وقدرة على توليد الأقوال بصرف النظر عن اللغات
الخاصّة. وهو مفهوم مكتسب وليس فطريّا فمفهوم القدرة المذكور سابقا فطريّ ويرتكز
على المكوّن النحويّ أمّا اللغة الداخليّة فهي ما يكتسبه الإنسان من قدرات لغويّة
بعد التفاعل مع محيطه اللغويّ. إذن القدرة ذات طابع كونيّ وهي عضو في الذهن له
برنامج فطريّ يقع في ذهن/دماغ كلّ إنسان (I-language) وهي تبدأ في
الاشتغال في شكل لغة داخلية بعد أن يستمع الإنسان إلى كلام الناس من حوله. ولذلك
تمثّل هذه اللغة الداخليّة مجالا لتحقّق القدرة ووصف النحو الكونيّ. ونظريّة النحو
التوليديّ نظريّة في وصف هذه اللغة الداخليّة. أمّا اللغة الخارجيّة (external language) فهي ما يحدث يوميّا عند المتكلمين من أقوال منجزة
في مقامات مختلفة. وبسبب هذه اللغة الخارجية التي يستمع إليا الطفل تتحقّق اللغة
الداخليّة. ويمكن أن نوجز الأمر بالقول إن اللغة الداخلية هي وجود النحو بالقوّة
في ذهن المتكلّم وإنّ اللغة الخارجيّة هي وجود النحو بالفعل متحقّقا في أقوال
منجزة مسموعة.
* الكفاية التفسيريّة والكفاية الوصفية :
النظريّة اللسانيّة مهمّتها وصف المعطيات اللغويّة أو تفسيرها. وقد
عاب تشومسكي على التوزيعيّين من قبله الإغراق في وصف الأقوال في مستوى الإنجاز وبيان
طريقة توزيع مكوّنات الجملة دون اهتمام بتفسير الملكة التي تصدر عنها تلك الأقوال.
ولذلك اعتبر شومسكي نظريّته ذات هدف جديد لا يتعلّق بوصف المعطيات اللسانيّة في
الإنجاز بل بتفسير الطريقة التي تتولّد فيها الجمل في الذهن قبل ذلك وقد اعتمد
شومسكي لتفسير طريقة تولّد الجمل نحويّا في الذهن على فرضيّات من وحي خياله لكنّها
مستمدّة من العلوم المحيطة به وخاصّة الرياضيّات والحاسوبيّة.
* فرضيّة التوليد:
تقوم نظريّة شومسكي على فرضيّة أساسيّة قوامها أنّه يوجد في
الذهن/الدماغ جهاز طبيعي اسمه "النحو التوليديّ" مهنّته توليد الجمل الصحيحة نحويّا. ويعني
التوليد اشتغال آلة النحو في الذهن بطريقة حاسوبيّة لتوليد الجمل الصحيحة نحويّا (to generate). هذا الاشتغال يكون وفق برنامج فطريّ قائم
على قواعد شكليّة تشبه القواعد المجرّدة في الرياضيّات والمنطق.
* فرضيّة مركزيّة الإعراب (المكوّن النحويّ):
نقصد بالإعراب المكوّن النحويّ المسؤول عن توليد الجمل في نظريّة
شومسكي. وقد ميّز شومسكي في كتابه المؤسّس 1957 بين مجال الدراسة النحويّة ومجال
الدراسة الدلاليّة، واعتبر أنّ ما يقدّمه من آراء هو نظريّة في مجال الدراسة النحويّة. فكان بذلك
موقفه من الدلالة واضحا؛ فهي مجال لا ينتمي إلى مجال اهتمامه في بداية تأسيسه
للنظريّة. ونلاحظ تأثير هذا الموقف في نظريّة النحو التوليديّ لاحقا. فقد أسقط
شومسكي المكوّن الدلالي في منوال 1957، وحين اضطرّ إلى إقحامه مقتنعا بما وجّه
إليه من نقد ومقترحات، جعل نظريّته قائمة على مكوّن مركزيّ وأساسيّ هو جوهر نظريّه
وهو المكوّن النحويّ (Syntactic component) أو ما يمكن أن
نسمّيه الإعراب.
ولعلّ تركيزه على المكوّن النحويّ سببه قابليّة هذا المكوّن
للصياغة الشكليّة الصارمة فالنحو عند شومسكيّ له بعد شكليّ قابل للصياغة
الرياضيّة. أمّا الدلالة فهي غير قابلة للصياغة الدقيقة وتقبل التأويلات المتعدّدة
ولذلك اعتبرها خلال كلّ المراحل اللاحقة مكوّنا تأويليّا مكمّلا للإعراب فهي ذات
دور ثانويّ محدود في توليد الجمل تأتي لاحقا بعد أن يتمّ الإعراب توليد نواة
الجملة. من هنا كان الإعراب يمكن اعتبار النحو توليديّا أي يولّد الشكل النحويّ
للجملة (الوظيفة الأساسيّة) أمّا الدلالة فوظيفتها تأويليّة أي تأوّل الشكل
النحويّ للجملة وتشحنه بالمعنى (وظيفة ثانويّة).
* فرضيّة
النحو الكلّي:
لا يقدّم شومسكي نظريّة تفسّر كيفيّة توليد الذهن للجمل في الانجليزية فقط،
فليست نظريّته متعلّقة بنحو خاصّ بل يدّعي تقديم نظريّة تفسّر جميع الأنحاء في
جميع اللغات لأنّها تتعلّق بمكوّن طبيعيّ بيولوجيّ يوجد في الذهن عند كل البشر مهما
كانت ألسنتهم وهو جهاز النحو التوليديّ. هذا التصوّر انعكس على قواعد النحو
التوليديّ فهي قواعد كلّية تحاول تمثيل كل اللغات، فمفاهيم مثل قواعد التحويل
والبنية العميقة والبنية السطحيّة وقواعد إعادة الكتابة لا تتّصل بلسان بعينه بل
هي سابقة لجميع الألسنة لأنّها تعبّر عمّا يحدث في الذهن من عمليّات توليد للجملة
في مستوى الدماغ قبل أن ينطق المتكلّم بالقول بلسانه الخاصّ. لهذا السبب سمّى شومسكي نحوه بالنحو الكونيّ Universal Grammar ورمز إليه في كتبه بالاختصار
UG.
* فرضيّة
المنظوميّة: (modularity)
لتحقيق مبدأ الكونيّة في نظريّته وضع شومسكي جملة من القواعد ذات الطابع
الكوني لا تفسّر لغة بعينها بل سائر اللغات. ومن الملاحظ أنّ شومسكي سعى إلى وضع نظريّة
ذات مكوّنات ثمّ وضع لكلّ مكوّن منظومة خاصّة من القواعد تفسّره. ويرى شومسكي أنّ
تحقيق كونيّة النحو يتطلّب تفسير طريقة
اشتغال كلّ مكوّن في شكل نظرية فرعيّة تتكفّل بمكوّن واحد من نظريّته ذات
المكوّنات المتعدّدة. وبذلك يستطيع التغلّب على ما بين اللغات من اختلافات. وتكون
كلّ منظومة قواعد الخاصّة بمكوّن محدّد مستقلّة نسبيّا عن سائر المنظومات الأخرى
الخاصّة ببقيّة مكوّنات النحو التوليديّ.
فمثلا تتكوّن نظريّة النحو التوليديّ من المكوّنات التالية:
بنية جهاز النحو التوليديّ: [
1-أساس 2- بنية عميقة 3-تحويل 4-بنية
سطحيّة 5- مكوّن منطقي 6-مكون صوتمي]
كلّ مكوّن من هذه العناصر (البنية العميقة، التحويل...) يحتاج إلى نظريّة
فرعيّة تشرح طريقة اشتغاله. فالمكوّن التحويلي مثلا تشرحه نظريّة انقل ألفا (Move α ) والمكوّن المنطقيّ تشرحه
نظريّة الأدوار الدلاليّة...
* فرضيّة
التحويل:
الجملة عند شومسكي تتولّد في الذهن في مستوى البنية العميقة في شكل بنية بسيطة
مثبتة مبنية للمعلوم خالية من التقديم والتأخير والحذف والاستفهام ثمّ يحدث فيها
التغيير عبر المكوّن التحويلي فتقع فيها الظواهر
التركيبيّة السابقة. وبذلك تعود سائر الجمل إلى عدد محدود من الجمل
البسيطة. من أمثلة ذلك أن هذه الجملة "أكل الولدُ تفاحةً" يمكن عبر
التحويل أن تمرّ إلى صيغ كثيرة تعود كلها
لبنية نواة أصلية قبل التحويل، هذه الصيغ المحوّلة يمكن أن تكون: "ما أكل
الولد تفاحة/التفاحةَ أكل الولدُ/هل أكل التفاحة؟/لن يأكلها...".
* فرضيّة
المتكلّم السامع المثاليّ:
يمكن أن نعترض على نظريّة شومسكي التي تريد تفسير كيفية توليد الجملة نحويّا بالقول إنّ الجملة
التالية يمكن أن تفهم بطرق مختلفة بين المتكلّم والسامع حسب اختلاف السياقات لننظر
في هذين السياقين:
1- لنتخيّل في سياق حرب قائدا يمسك أسيرا ويقول للجنديّ: "الأسير!".
فما الذي يمكن أن يفهمه الجنديّ؟ ذلك السامع/الجنديّ لا يدري هل المقصود هو حراسة
الأسير حتّى لا يهرب (انتبه إلى الأسير) أو يقصد رعايته بتقديم الطعام والدواء له
(أطعم الأسير) أو يقصد معالجته من جراحه(اعتن بالأسير) أو يقصد إعدامه (اقتل
الأسير).
2- لنتخيّل أحدهم يسأل عن زيد وقد ظنّه توفّي: "من دفن زيدا؟"
فيجيبه أحدهم "يَعِيشُ". هذا الجواب قد يكون جملة اسميّة (يعيشُ هو من
دفن زيدا) وقد يكون جملة فعليّة"يعيشُ زيدُ" (لم يمت بعد). فليست بنية
الجملة عن المتكلّم هي نفسها عند السامع.
ولحلّ هذا المشكل الناتج عن إمكانيّة اختلاف الفهم بين المتكلّم والسامع افترض
شومسكي مفهوم المتكلّم/السامع المثاليّ. أي أنّ الجملة التي يريد تحليلها في
نظريّة النحو التوليديّ جملة مثاليّة واضحة عند المتكلم ومطابقة لما يفهمه السامع
في سياق مثاليّ من التواصل والتفاهم بينهما يخلو من سوء الفهم. فالجملة التي
يحلّلها شومسكي لا تحتاج لتبيّن السياق الذي قيلت فيه ولا مجال لسوء الفهم بينهما
وبذلك لا حاجة لإقحام معطيات تداوليّة لفهم السياق الذي قيلت فيه.
ب- تصميم النظريّة
التوليديّة:
هذه الفرضيّات أعاد شومسكي بناءها في شكل بناء نظريّ ذي
قواعد شكليّة مجرّدة ودقيقة هدفه تفسير كيفيّة . وسنهتمّ في هذا القسم ببيان كيفية
بناء المفاهيم والقواعد في النظريّة دون اعتبار لمراحل التطوّر التي سنخصّص لها
لاحقا قسما لدراستها. فكيف تولد الجملة في الذهن وكيف تتشكّل نحويا في صورة تامّة
وصحيحة نحويّا؟
يمكن أن نشرح هذا المسار الذهنيّ ذلك في المراحل التالية
معتمدين على المثال "التفاحةُ لم تؤكل من الولد":
1- تولد الجملة انطلاقا من الأساس في شكل نواة؛ أي بنية
أوّليّة بسيطة مثبتة خالية من الألفاظ والتغييرات (نفي تقديم، بناء للمجهول،
حذف...) تسمّى البنية العميقة وهي تعادل (أكل الولد التفاحة) لكنّها خالية من
الألفاظ لأنّها بنية مجرّدة وستحتاج في ولادتها لمدخلات وهي عبارة ععن مواد
أوّليّة لتولد الجملة نحويّا وهي "المعجم" و"القواعد
المقوليّة". فالمعجم يجعل مكوّنات
الجملة (أكل الولد تفاحة) في شكل سمات دلاليّة (حدث+زمان+هضم+جوع) + (حيّ + عاقل+
غير بالغ)+ (حيّ+ نبات+ثمار+ كرويّ). أمّا المكوّن المقولي فيصنّف مكونات الجملة
إلى مقولات (فعل( أكل) +مركب اسمي (الـ/ولد)+مركب اسمي(الـ/تفاحة).
2- تصاغ الجملة
في البنية العميقة في شكل رموز ضمن بنية شكلية مجرّدة خالية من الألفاظ: وتقوم
قواعد إعادة الكتابة بإعادة صياغة عناصر الجملة في قالب رموز ( ج= جملة / ف= فعل /
م س = مركّب اسمي ). فتكون نواة الجملة (أكل الولد تفاحة) هي (ج ← ف+م س+م
س) أي (الجملة النواة هي فعل مع مركب اسمي مع مركب اسمي). لكن لا ننسى أنّ الجملة
التي نريد تحليل كيفية نشأتها في الذهن هي "التفاحةُ لم تؤكل من الولد"
فكيف انتقلت الجملة من البنية العميقة التي تعادل (أكل الولد تفاحة) إلى هذه
الصيغة التي تحمل النفي والبناء للمجهول والتقديم والتأخير؟ يتمّ ذلك عبر قواعد
التحويل لتصبح الجملة في البنية السطحية حاملة للنفي والبناء للمعلوم والتقديم
والتأخير.
3- بعد اكنمال
بنية الجملة وترتيب عناصرها في البنية السطحية بحدوث التحويلات (البناء للمجهول،
النفي، التقديم) صارت الجملة قابلة للنطق (المكون الصوتمي) وقابلة للفهم (المكوّن
المنطقيّ).
نعيد تقديم المراحل السابقة في شكل رسم بياني لمراحل
توليد الجملة وشرح للمفاهيم التي يضمّها كلّ مكوّن :
* الأساس (Base): يمثّل
مدخلات النحو التوليديّ (Input). وهو متكوّن من
المكوّن المعجميّ والمكوّن المقوليّ. ولكلّ مكوّن منها قواعد.
* المكوّن المعجميّ: جزء
من النحو (المكوّن المعجميّ)؛ معجم ذهنيّ ؛ قائمة من الوحدات المعجميّة ذات سمات
دلاليّة وصرفيّة وإعرابيّة. (اسم، فعل، صفة، حرف). الكلمة معطى أوّلي لتكوّن
الجملة. وهي تنشأ في الأساس من قواعد صرفيّة وصوتيّة.
* المكوّن المقوليّ: يتعلّق بالتصنيف النظريّ للتراكيب : مقولة
الاسميّة، الفعليّة (ا N،ف V)، الجملة (S)، المركّب، الموصول (C)...
- قواعد إعادة الكتابة: الصياغة الرمزيّة لمكوّنات البنية النحويّة وترتيبها،
لتكون أقرب إلى معادلة تشفير في برنامج حوسبيّ، ومن خلالها يتمّ توليد سلسلة من
الرموز تمثّل البنية النحويّة المجرّدة ( Sجملة/VPمركب اسمي/ NP مركب اسميّ / V فعل /N اسم / Auxفعل مساعد / Det أداة).
* البنية العميقة: تنتج عن إقحام العناصر المعجميّة في المقولات
إعرابيّة (تفاعل المعجم والم المقوليّ). وهي تعني البنية المجرّدة للجملة وقد
تشكّلت عناصرها الصوتيّة والدلاليّة الأوّليّة. فهي ضرب من التخطيط العامّ للجملة
من جهة التهجية والدلالة.
*التحويلات : عمليّات تغيير للصيغة الأصليّة للجملة من خلال
الحذف والتقديم والتأخير لتصبح في صيغتها النهائيّة القابلة للنطق. قواعد التغيير
أثناء عمليّة التحويل تنظّمها قواعد "انقل ألفا" (انقل Move α)
* البنية السطحيّة: صيغة الجملة وقد اكتملت في الذهن من جهتي
النحويّة والمقبوليّة. ففيها كل شيء صار جاهزا للنطق لكنها بنية لم تنجز بعد
لأنّها تسبق الإنجاز. (نقول مجازا : قول على طرف اللسان)
* المكوّن الصوتيّ: الصورة الصوتيّة للجملة وقد صارت جاهزة
للنطق وقابلة للتأويل إلى سلسلة من الأصوات المنطوقة في قول.
* المكوّن المنطقيّ: الصورة
الدلاليّة التي تحملها الجملة وهي تساوي التأويل الدلالي للجملة المستجيب لشروط
المقبوليّة الدلاليّة.
* النحويّة: Grammaticalité الجملة التي
تتولّد في الذهن تكون صحيحة نحويّا فالنحويّة هي استيفاء الجملة لكلّ مقوّمات
النحو. ومن الملاحظ أن النقد الموجّه إلأى شومسكي لا حظ أنّ مفهوم النحويّة غير كاف فمثلا الجملة"الأفكار الخضراء
تنام بسرعة" هي جملة نحويّة صحيحة لكنّها غير مقبولة دلاليّا. وهذا ما دفع
شومسكي إلى اقتراح مفهوم جديد متمّم له هو مفهوم المقبوليّة.
* المقبوليّة :َ Acceptabilité هذا المفهوم يتعلّق بالمقبوليّة الدلاليّة،
فالجملة المقبولة هي التي لا تحتمل كثيرا من التأويلات مثل "أكل زيد
التفاحة" وهي كذلك الجملة التي تخلو من التعقيد. فجملة مثل "أكل زيد
الذي سرق الحقل يوم الأحد تفاحة من الثمار التي سرقها من ذلك الحقل" فهذه
الجملة غير مقبولة لما فيها من تعقيد وتمطيط.